Saturday, July 21, 2007

ألف عام شديدة السواد

بقلم: ممدوح أحمد فؤاد حسين
ألف عام شديدة السواد
هل صحيح كما يدعي بعض العلمانيين (أن مصر شهدت بالفعل دولة دينية واستمرت بها ما يزيد عن الف عام منذ الفتح العربي حتي عهد محمد علي باشا؟ وهل صحيح أنها فترة اقل ما يقال عنها انها كانت فترة شديدة السواد؟).
إذا كان هذا القول صحيحا فاللوم كل اللوم علي وزارة التعليم التي ملأت رؤسنا بالحديث عن انتصارات عظيمة تمت خلال هذه الفترة ففيها انتصرنا علي الصليببين وحررنا بيت المقدس وفيها انقذنا العالم من همجية التتار وفيها رفض العز بن عبد السلام فرض ضرائب علي المصريين لتمويل حرب التتار إلا بعد أن يتساوي حاشية الملك وزعماء المماليك في المأكل والملبس مع عامة الشعب وأذعن له الحاكم في مثال لا تجد له نظير في التاريخ .
كل هذا تعلمناه في الكتب المدرسية وليس في كتب التطرف ثم نكتشف بعد ذلك أن كل هذه الانجازات التي نفخر بها كمصريين كانت نتاج فترة شديدة الظلام !!.
وإذا كان هذا القول صحيحا فإن وجود جامعة الدول العربية علي أرضنا عار يجب أن نتخلص منه . ودستورنا الذي ينص علي انتماءنا العربي يجب شطبه والاعتذار عنه .
أما إذا كان هذا القول غير صحيحا فهذا يعني أننا أصبحنا أمة ممزقة ليس لها ثوابت. وأن التطرف لم يعد حكرا علي بعض المتدينين فحسب بل بلغ أقصاه أيضا في بعض العلمانيين اليساريين . وإن الشعوبية البغضية ما زالت تطل برأسها و لم تتعظ مما أفرزته من تقسيم للدولة الواحدة إلي أكثر من عشرين دولة ستزداد قريبا بعد تقسيم العراق والسودان ولبنان (هذا إذا لم تحدث معجزة تحول دون تحقيق ذلك) كمرحلة أولي وغيرها من باقي البلاد في المراحل القريبة القادمة.
صحيح أن الفترة منذ الفتح العربي حتي محمد علي لم تعرف التداول السلمي للسلطة وأن الحريات وحقوق الإنسان كانت مرتبطة بصلاح وسماحة الحاكم وليس نظاما للدولة. ولكن الصحيح أيضا أن الفترة التي تليها منذ محمد علي وحتي الأن تتساوي معها تماما في هذه النقاط. اللهم إلا إذا اعتبرنا احزاب وانتخابات قبل الثورة تحت مدافع الاحتلال الانجليزي ديمقراطية !. من يقل بذلك عليه الاقرار بأن أحزاب وانتخابات العراق تحت الاحتلال الأمريكي للعراق ديمقراطية! أم أن الحياة الحزبية التي نحياها الأن والتي عجزت فيها أحزاب المعارضة مجتمعه من الفوز ولو ب 5% من مقاعد مجلس الشعب ديمقراطية وتداول سلمي للسلطة !!
وتزداد فترة محمد علي وما بعدها علي ما قبلها سوءا في الاحتلال الأجنبي والهزيمة العسكرية في 1967 والانتصار الوحيد التي حققته في 1973 تحقق في وقت رفعت فيه الدولة شعار ( العلم والإيمان ) واستلهم فيه الجنود الحافز الإيماني متمثلا في صيحتهم التلقائيه ( الله أكبر ) عند العبور العظيم لقناة السويس .
والناظر للتاريخ الإسلامي بصفة عامة - والتاريخ من صنع البشر والبشر يصيبون ويخطئون - يجد أن فكرة تحقيق العدل لا الحرية هي المسيطرة . وأن تحقيق العدل في التاريخ الإسلامي كان تابعا لصلاح الحاكم أو فساده فإن كان صالحا حكم بالعدل وإن كان غير ذلك ظهر الظلم علي درجات فساد هذا الحاكم
ولنضرب مثلا بالبطل صلاح الدين الأيوبي كان حاكما عادلا عظيما حقق أنتصارات جعلت جميع المسلمين اليوم يدعون الله أن يرزقهم بحاكم أو بطل مثل صلاح الدين لكي يخلص الإسلام والمسلمين من الضعف والهوان الذي هم فيه الأن . ولكن ماذا حدث بعد موت صلاح الدين الأيوبي مباشرة تقاتل أبناءه فيما بينهم واستعانوا بالصليبيين وسمحوا لهم بدخول دمشق لشراء الأسلحة لمحاربة أخوتهم.
فهل من الحكمة أن نترك مصير الشعوب في يد الحكام من شاء عدل ومن شاء ظلم؟ لو كان للشعب حق اختيار وتغيرالحاكم هل كان يسقط ابناء صلاح الدين هذا السقوط السريع المهين؟
وأيضا الناظر في التاريخ الإسلامي يلاحظ أن سقوط دولة وقيام دولة أخري يتم غالبا عن طريق القتال بين المسلمين حتي إنني أكاد اشك في أن عدد القتلي من المسلمين بأيدي المسلمين أكثر من عدد القتلي الذين قتلوا بأيدي غير المسلمين.
لذلك أري أن علي التيار السياسي الإسلامي أن يقدموا مراجعات فقهية وقانونية تبرهن علي إيمانهم أن الحرية والديمقراطية جزء لا يتجزء من الإسلام وأن تحقيق العدل بدون حرية هو ضرب من ضروب المستحيل وأن حفظ النفس الذي هو من مقاصد الشريعة لا يتحقق إلا بالديمقراطية التي تسمح بالانتقال السلمي للسلطة .
صحيح أن ألفاظ الديمقراطية والانتخابات وغيرها من الألفاظ الحديثة غير مذكورة بالشريعة الإسلامية ولكن الأصح والأهم أن كل مبادئ الديمقراطية مذكورة ومطبقة منذ عصر النبوة ومثال ذلك ما قيل للنبي صلي الله عليه وسلم في غزوة بدر: اعتراضا علي المكان الذي اختاره النبي صلي الله عليه وسلم لجيش المسلمين(إن هذا ليس بمنزل) واستجابة النبي له. وفي غزوة أحد نزل النبي صلي الله عليه وسلم علي رغبة الأغلبية في الخروج من المدينة رغم أنه كان يريد التحصن بالمدينة . أما مسئولية الحاكم أمام الشعب فواضحة في أول خطبة لأبي بكر رضي الله عنه حين قال (إن أطعت الله ورسوله فأطعوني وإن عصيتهما فقوموني) فهذا يفيد تقويم الحاكم فإن أبي فعزله . وكذلك في عهد عمر رضي الله عنه حينما قال له أحد المسلمين (لا سمع لك ولا طاعة) فلما تبين له ما أشكل عليه قال له (الان نسمع ونطيع) . وقوله الشهير (أخطأ عمر وأصابت أمراة) يهدم ما يدعيه البعض من تحصين قرارات الحاكم بأعتباره من القرارات السيادية التي لا سلطان للقضاء عليها .
ممدوح أحمد فؤاد حسين

Mam_elshamy@hotmail.com

No comments: