بقلم: عبد الرحمن حسين العشري
الاعتراف رقم (1)
تنويـــه: في هذه السلسلة يقوم الكاتب بتقمص شخصية من الشخصيات المنحطة فكرياً وأخلاقياً ، ويتحدث بلسان صاحب الشخصية متخيلاً أنه جلس ذات يوم بينه وبين نفسه ونظر في المرآة ، فرأى وجهه البشع ، وحقيقته الأبشع ، فقرر أن يعترف كم هو حقير.
طبعا مع احتفاظ الكاتب وربما القراء أيضا بحق عدم تصديق هذا التخيل أن يحدث يوماً ما.
ونبدأ مع الاعتراف رقم واحد ، على لسان كاهن العلمانية العجوز عمرو اسماعيل:
كنت أجلس وحيداً أشعر بملل شديد من كل شيء ، فالريالات التي هلبتها من السعودية بلد الهكسوس ليست ذات جدوى في إعادة الشباب الزائل إلى بشرتي المتهالكة ، ولن تفلح في بث الشعر في صلعتي اللامعة ، وأيامي اصبحت كلها من فشل إلى فشل ، فلا تحققت أحلامي بالدولة المدنية ، ولم تفلح كل محاولاتي في الترويج للعلمانية ، ولم يشفع لي تمسحي بمؤخرات صبحي منصور وشركاه في ان يصل صوتي إلى كل الأرجاء.
والتفتّ يمنة فلمحت مرآة على منضدة قريبة ، فنظرت فيها بلا مبالاة ، وراعني أني رأيت شخصاً مختلفاً تماماً عني ، فأصابني الهلع ، فدققت النظر ، فازددت رعباً ، وظننت لوهلة أن عفريتاً يمارس معي لعبة ما ، فشعرت ببلل في ملابسي وازدردت ريقي .
ثم تحاملت على نفسي واستجمعت بقايا شجاعتي ونهضت باتجاه المرآة ، ودققت النظر مرة أخرى فوجدت أن الرجل القبيح في المرآة يرتدي نفس ملابسي وبنفس حجمي ، ولكن باختلاف الوجه فقط ، فقررت تحدي مخاوفي ، وسألته : من أنت ؟!
ولدهشتي الشديدة أجاب : عمرو اسماعيل .
قلت منزعجاً: أنا عمرو اسماعيل.
قال بهدوء وبابتسامة صفراء: وانا ايضا عمرو اسماعيل.
قلت بنفاذ صبر: كيف؟؟؟
قال: أنا صورتك الحقيقية التي تمثل بشاعة معتقدك وفكرك وخلقك. أنا الحقير الذي بداخلك.
قلت: أنت كاذب ولا تمثلني .
قال بهدوء: سأريك .
قلت متحدياً: هات ما عندك أيها الحقير.
قال: كم مرة تفاخرت بالتعديلات الدستورية ، وأنت تعلم أنها تمت في ظل سيطرة الحزب الوطني الحاكم وفي غياب للقوى الوطنية المعارضة ؟
كم مرة ناديت بالديمقراطية وحق الانسان في انتخاب من يراه ، ثم اتهمت من ينتخب الاسلاميين بأنهم شعوب لا فائدة منها وأنها تعشق ثقافة القطيع؟
كم مرة أفهمك الكثيرون أن فتوى رضاعة الكبير هي فتوى شاذة وغير مقبولة في الفقه الاسلامي وليس لها اعتبار ، وتصر انت عندما تتناولها أن توحي وكأنما هي جزء أصيل من التراث السني ؟
كم مرة ناديت بالعودة الى أمجاد الفراعنة وبتفوق العنصر المصري وتغنيت بمصر وعشقك لها ، ثم ذهبت الى السعودية منذ شبابك لتهلب بالريالات بدون شبع؟
كم مرة انتقدت شيوخ الفضائيات وقستهم بفنانات العري والكليبات الفاضحة ، وفي نفس الوقت تكتب مقالات تمجد فيها كارول سماحة بل وكتبت مقالا تدعو فيه الى اعتبار مؤازرة نجوم ستار اكاديمي المصريين كواجب وطني مقدس؟
كم مرة أعلنت ترحيبك باعتقال الاخوان المسلمين ورميهم في السجون وباركت خطوات النظام الحاكم ، وفي نفس الوقت تبكي وتتباكى على البهائيين والاقباط والقرآنيين إذا ما تعرضوا لاعتقال؟
كم مرة تجرأت وقلت لأحمد عبد الهادي عيب يا راجل عندما أصبح يكتب مادحاً في جمال مبارك ويعلن قبوله واقتناعه به كوريث للحكم بينما انت تعلم تمام العلم أن التوريث نقيض الديمقراطية التي تنادي بها؟
أكمل أم يكفي لأريك حقيقتك؟؟
هتفت ساعتها بفزع: لا ، لا ، هل يعقل أن أكون قد فعلت هذا كله؟؟
قال الذي في المرآة: وأكثر من هذا .
لم أتمالك نفسي لحظتها وبصقت على نفسي في المرآة صارخاً:
!!يا ألله ،،، كم أنا حقيــــــــــــــــــــر.