Tuesday, June 26, 2007

النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم

بقلم: ممدوح أحمد فؤاد حسين
هذا المقال مخصص للرد علي زعمهم بأن الطاعة للرسول لا للنبي وأبين فيه الفرق بين الطاعة والاتباع وأن الاتباع أشمل وأعم من الطاعة)
* الطاعة : طاع بمعني انقاد . فالطاعة الأنقياد . والأنقياد لا يشترط فيه الحب فنجد الأسير يطيع من أسره , والمسجون يطيع سجانه . فالطاعة دليل قهر. وتكون لذي السلطان أو للمؤيد من ذي السلطان.
* الاتباع : تبع الشيء : سار في أثره . واتبع القرءان والحديث : عمل بما فيهما. وتبع الإمام المصلي : حذا حذوه واقتدي به. والاتباع لا يكون ناتجا عن سلطان القهر كالطاعة بل هو عن حب المتبوع للتابع قال تعالي : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) محمد : 28 . – لاحظ التضاد بين ( اتبعوا – كرهوا) .
1- ولذلك فالطاعة في القرءان الكريم بالنص الصريح لم تأت إلا لله تعالي القهار. والرسل المؤيدين بسلطان الله القهار وأولي الأمر المؤيدين بسلطان القوة المادية والأعوان. قال تعالي :
(قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) آل عمران : 32 .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) النساء : 59 .
- ولأن الطاعة ليست دليل حب فقد تحدث الطاعة عن كره كما في قوله تعالى(وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) التوبة : 54 (أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ) هود : 28 . فلم يرض الله ولن يقبل الله من عباده الطاعة فقط بل أمرهم باتباع منهجه وكتبه قال تعالي : (وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف : 157 . (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم ) الزمر : 55 .
- وأمر باتباع رسله . (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ) الأعراف : 157 (وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ) يس : 20 – 21.
- وبذلك يقترن في قلب المؤمن الخشية من الله والحب لله . ولا يصح للمؤمن أن يخشي الله بدون حبه أو يحبه دون أن يخشاه .
- لاحظ أن الأمر بالطاعة لله والرسل وأولي الأمر. أما الأمر بالاتباع فلله والرسل والأنبياء ولا اتباع لأولي الأمر. لماذا؟ لأن الاتباع طاعة ناتجة عن الحب والحب يكون للحق ومن يؤمنون به فقط . أما أولي الأمر ففيهم من يتبع الحق ولكنهم غير معصومين فقد نكره منهم شيئا , وفيهم من يعصي الحق فلا حب له ولا اتباع.
2 - ولأن الأنبياء شاءت إرادة الله تعالي ألا يكونوا مؤيدين بسلطان الله القهار بدليل قوله تعالي: (وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ) آل عمران : 112 . وقوله تعالي (وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ) آل عمران : 181 . وقوله تعالي (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) البقرة : 61 . وقوله تعالي (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ ) آل عمران : 21 . ولم تأت آية واحدة تفيد قتل المرسلين لأنهم محفوظون بسلطان الله القهار حتي عندما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) الأنبياء 69 . وعندما تأمر اليهود علي قتل عيسي عليه السلام (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ) النساء : 157 . وعندما تأمر مشركوا مكة علي قتل سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) الأنفال : 30. أنجاهم الله جميعا لأنهم محفوظون برعايته.
- فلذلك لم يأت الأمر بطاعة الأنبياء صريحا اكتفاء بمدح وتزكية اتباعهم الذي هو طاعه ناتجة عن الحب - إن المحب لمن أحب مطيع- . كما في قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الأنفال : 64 .
- وجاء الأمر بالاتباع كما في قوله تعالي : (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران : 31 .
- ومع ذلك جاء الأمر بطاعة النبي صلي الله عليه وسلم ضمنيا في قوله تعالي (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ) الشعراء : 215 و 216 . لاحظ قوله تعالي ( فَإِنْ عَصَوْكَ ) أليست المعصية مضادة الطاعة؟ .
3- وجاء أيضا مدح اتباع المهاجرين والأنصار في قوله تعالي : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ) وقد بشر الله تعالي الذين يتبعونهم بإحسان بالرضا والجنات . كما في تتمة الآية : ( رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة : 100 .
4- إذا تمعنت في آيات الاتباع السابقة تلمح الآتي :
- الأمر باتباع ما أنزل الله والرسل والأنبياء جاء أمرا مطلقا دون قيد أما الأمر بأتباع المهاجرين والأنصار فقد جاء مقيدا بقوله تعالي : (بِإِحْسَانٍ) . فلماذا ؟
أ – لأن كتب الله كاملة صحيحة لا يأتيها الباطل ولان الأنبياء والمرسلين معصومين فكان الأمر باتباعهم مطلقا وليس مقيدا لأنهم محسنون في جميع أفعالهم وأقوالهم.
ب – أما غير الأنبياء والمرسلين فغير معصومين فكان اتباعهم مقيدا بالإحسان.
ج – إذا كان الأمر باتباع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار(وهم أفضل المسلمين) مقيدا لأنهم غير معصومين فكيف نقول بعصمة أحد من الأئمة أو العلماء أو الكتب والمذاهب؟.
د – بطلان التساؤل الذي يثار دائما: نتبع من : علي أم معاوية رضي الله عنهما وقد تقاتلا؟ والإجابة إن الأمر باتباعهم ضمن من نتبع من الصحابة أمر مقيد بالإحسان فنتبعهم فيما أحسنوا فيه ولا نتبعهم فيما لم يحسنوا فيه. وعلينا أن نتأدب معهم ومع جميع صحابة النبي صلي الله عليه وسلم فقد (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة 100 . وقد أثبت الله تعالي لهم الإيمان حتي في حالة تقاتلهما كما في قوله تعالي (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) الحجرات 9 . لأن الله مطلع علي القلوب والنيات. ولا يجوز لاحد أن يتهمهم بأنهم تقاتلا علي مصالح سياسية أو دنيوية لأن هذا تفتيش في النيات ومحاسبة عليها والنيات لا يعلمها ولا يحاسب عليها إلا الله تعالي.
5- وهناك اتباع منهي عنه ومذموم وهو اتباع الشيطان الرجيم قال تعالي :
أ- (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) البقرة : 168.
قد يقول قائل : لقد قلت الاتباع هو الطاعة الناتجة عن الحب فهل أحد يحب الشيطان؟
لا أحد يحب الشيطان ولكن العاصين والكافرين يحبون الشهوات التي هي من خطوات الشيطان (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ) آل عمران : 14 .
ب - (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ) الحجر : 42 . وفي قوله تعالي (إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ) إدانة للعاصين والكافرين لأنهم غير مجبورين علي المعصية أو الكفر فهم فعلوا ذلك اتباعا وليس طاعة للشيطان .
وختاما هل يصح بعد ذلك أن يقول القائل : إن الأمر بالطاعة لله وللرسول أما الأنبياء فكلامهم توجيه وتعليم!!
وصدق الله القائل : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) الأحزاب: 6. فالمؤمن الحق يحب النبي ويطيعه ويضحي بحياته فداء لحياة النبي. وكيف نحب النبي ولا نطيعه؟ أيقدم المؤمن حياة النبي علي حياته وحب النبي علي حب نفسه ثم بعد ذلك لا يطيعه؟!
وكذب من قال : لا طاعة للنبي.

No comments: