Friday, August 31, 2007

ثلاثة أيام فى العجبى

بقلم: مصطفى قيسون
نعلم أن الشهب عبارة عن حبيبات ترابية وعند دخولها الغلاف الجوي للأرض تبدو مثل خط مضيء متوهج لامع يتحرك بسرعة في السماء وكأنه جسما له رأس وذيل ثم تختفي الشهب بعد قليل من توهجها نتيجة لاحتراقها وتحولها إلى رماد.. ذلك مما يجعل أطفال القرية يطلقون على الشهب "النجمة أم ذيل" ويربطون هذا المشهد برجم الشياطين فينشدون "سهم الله فى عدو الدين".. تذكرت هذا المشهد فى منطقة العجمى بالأسكندرية فكان ذلك مدعاة (لعجبى) إذ سمعت من بين ما أتلف صرصور أذنى آلة تنبيه (كلاكس) لسيارة تشبه النجمة أم ذيل أو كأنها زلزال له توابع فتسمع صوت الكلاكس يخرم أذنيك كطلقة مدفع ثم يضمحل شيئا فشيئا!.. والكلام عن منطقة العجبى ـ أقصد العجمى ـ مثل الكلام عن أي منطقة تقترب من سواحل البحر على أرض مصر حيث تتميز مصايفنا بالصخب الشديد الذى يحرمك الإستمتاع بمناخ المكان.. لا أتكلم هنا عن سوء التخطيط فهذا أمر قد ألفناه ومللنا الخوض فيه وليس جراج رمسيس آخر المطاف!.. كما أن حديثى لن يكون عن الخطأ فى تناول الأمور التى تهم الوطن والمواطنين لأن الخطأ أصبح عادة تماما مثل عادتنا فى سرد متاعبنا وأسباب تأخرنا حتى أصبحنا أساتذة فى التشخيص لكن لا علاج!.. ولن أتعرض للكلام عن الخطيئة التى باتت ظاهرة بعد أن أصبح الدى ان ايه هو وسيلة العلمانيين لإثبات النسب وبعد أن أجاز المفتى ترقيع الغشاء وبأن ذلك لا يعد تدليسا على التيس العريس!.. ولن أتكلم عن الغذاء الذى أصبح فاسدا بالدرجة التى تهدد صحة الشعب.. لكنى سأتناول التلوث السمعى الذى يهوى على الآذان ليحيل البشر إلى جنس جديد ليس بالمغولى ولا بالأصفر ولا بالأسود لكنه جنس بشري أصم.. أصوات صاخبة تحيل حياتك إلى جحيم مقيم وتجعلك تكره نفسك وتحسد الأصم على نعمته من الطرش
إن هذا الشعب الذى يتملقه كل من يُقبل على الإنتخابات فيصفه بالشعب العظيم يجرى بين أفراده من هو عظيم فى إجرامه وفى حاجة إلى تقويم وتربية بقوة القانون لا بأفلام الهلس والمسخرة وهز المؤخرة والأغانى الساقطة من المحسوبين على الرجال قبل النساء حتى أخذ منتجو أفلام الهلس على عاتقهم تعديل أخلاق المجتمع من الرقي إلى السوقية فخلقوا مجموعات من البشر لاتدرى ما هو الصح وما هو الخطأ فأساءوا إلى عظمة هذا الشعب وذلك ليس بمضمون الفيلم فحسب بل تضمن ذلك إسم الفيلم فبعد أن أطلقنا الأسماء القذرة على الأعمال الفنية فى المسرح والسينما مثل "صايع بحر" و"برهومة وكلاه البرومه" فإنى أتوقع فى القريب أن يخرج علينا منتج بأسماء أكثر سوقية وليس ببعيد أن نقرأ عن أعمال فنية لها عناوين مثل "غنى لى يا حبى.. أوريك المستخبى" و"اسقينى ويسكى.. أهزلك وسطى" و"آه يانى يا لهوتى.. إبن الكلب هرش جتتى".. إننى لا أستبعد ذلك بعد السباب الذى امتلأ به حوار الأفلام وهم يقولون أنهم يصورون الواقع!.. وكأن هؤلاء المنتجين قد استحبوا أن يعوم المجتمع فى مستنقع قذر وأرى أن وصفهم قد جاء فى كتاب الله سبحانه وتعالى "الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك فى ضلال بعيد"
والسؤال الآن "هو فيه إيه؟!..."
إن منطقة العجمى منطقة تكاد تكون عشوائية الشوارع عشوائية البنيان ولم تدخلها المجارى حتى تاريخه ذلك لأنها مصيف الغلابة أو أبناء البطة السوده أو أبناء الجارية الذين كانوا يشكلون يوما ما "الطبقة المتوسطة" من المجتمع قبل أن يتم سحقهم بين رحى الأكابر و رحى الأصاغر!.. وشوارع العجمى الآن قد امتلأت بالحفر العميقة كمن يبحث عن حفريات تمهيدا لتشغيل محطة صرف صحى وقد بدأ الحفر حيث بدأ فصل الشتاء وليس حيث انتهى موسم الصيف وكأن كل مسئول فى دولتنا الفتية لا يتحرك إلا "بناء على توجيهات الرئيس" مثل الحمار الكسول المتميز بالغباء والذى يحتاج دائما إلى مهماز من راكبه كل حين حتى ينشط ويسير فى الإتجاه الصحيح فإن أبطأ أو ضل طريقه فلابأس من تكرار الوخز فى جزء الفقرات بين نهاية الرقبة ومقدمة الظهر!
إن قضاء بضع أيام فى مثل هذه المصايف هي الموت انتحارا وليس مسألة حياة أو موت كما يقولون فكل الشوارع غرقى فى الصخب والإزعاج تختلط أصوات الميكروفونات التى تنقل صوت الآذان وتستمر طوال إقامة الصلاة بأصوات صادرة من مسجلات تقبع فى مقدمة المحلات تصرخ بأغنيات لشرذمة صنفوا أنفسهم بفنانين ومطربين.. وإن لم يكن الوقت وقت صلاة فيختلط صوت مقرئ نكرة يأتيك من أحد المسجلات ولاأدرى من علمه تلاوة القرآن بصوت واحدة مجهولة تأتيك من مسجل آخر وتؤدى وصلة من وصلات أم كلثوم.. ويختلط كل هذا بأصوات الباعة وهدير الكلاكسات على كل لون مثل صوت سرينة النجدة فتهرول إلى البلكون كحب استطلاع لترى ما الخطب فلا تجد إلا مينى باص ملاكى لكنه يعمل أجرة أراد سائقه أن يلفت الإنتباه.. ثم صوت كلاكس أشبه بزمارة القطار المجرى أيام عنفوانه وقبل أن يصيب مرفق السكك الحديدية ما أصابها!
وبعد أن غرقنا فى عرقنا وكأننا فى حمام للساونا انتهزنا فرصة انخفاض أصوات المسجلات للحظة ففتحنا النوافذ وباب البلكون ثم فجأة تقف سيارة عقب زحف فراملها مؤدية صراخ أفلام الأكشن وعند فتحت أبوابها هب علينا جحيم متمثلا فى موجات من (التم والتك) يخلخل الهواء فتصل إلينا مطارق ليس فقط يهتز على أثرها طبلة الأذن بل تهز النخاع بذاته وبأمانة وصدق فإنى لا أبالغ فى وصفى.. هبط من السيارة خمسة من شباب التيوس يرتدون فانلات اليهود تشبّها بفانلة عمرو دياب وقد ارتدوا بنطلونات الجنز التى بالكاد تغطى أسفل المؤخرة ويمنعها من السقوط حزام ذو (توكة) رعاة البقر تشبّها بحكيم الذى خرج عن تقاليد أسرته الصعيدية وبدأ هو الآخر يهز مؤخرته!.. واتجه الخمسة التيوس إلى مطعم التيك أواي المقابل للعمارة التى نشغل إحدى وحداتها تاركين سيارتهم صف ثانى مفتوحة الأبواب ينهمر منها هدير المسجل لأغنية تافهة لمغنى أكثر تفاهة وعندما جاءت سيارة يقودها رجل مسن يريد أن يعبر بجوار سيارتهم المفتوحة الأبواب أخذ المسكين يلوح بيديه بعصبية واضحة من خارج نافذة سيارته كي يفسحوا له الطريق بعد أن عجزت آلة التنبيه فى سيارته أن تعلو على صياح مسجل سيارة هؤلاء التيوس ولأنهم تيوس فلم يتحرك لأحدهم ساكن ولا ذيل ولا قرن وكأن الشارع يمتلكه أبوه أو أن الشارع قد ورثه عن أمه! مرة أخرى أقسم أنى لا أبالغ.. خرج التيوس من المطعم وبيد كل منهم كيس اتضح من شكله وطريقة تناوله أنه يحوى وجبة مع علبة مشروب وأحاطوا بجهتيّ السيارة يلوكون كالدجاج ثم يقذفون بمخلفات ما بأيديهم إلى نهر الشارع والموسيقى التصويرية لازالت تصرخ واستمر المشهد ما يزيد على العشرين دقيقة وبالطبع لم أكن أتحمل هذا الصخب إلا بعد أن أخذت الإحتياط الواجب بوضع سدادات للأذن اشتريتها من الصيدلية تحسباً لمثل هذا التخلف

وبعد هذا القرف وجدت أن الإستمرار مع هذا المناخ السيء يُعد عبثا ولم نتحمل الإقامة داخل هذا الجنون والتخلف أكثر من ثلاثة أيام فاتخذنا قرارنا بالعودة إلى القاهرة بعد أن تعدت الساعة منتصف ليل اليوم الثالث ولم نستطع الصمود إلى صباح اليوم التالى فقد كانت نار القاهرة خير من جحيم العجمى!

2 comments:

Anonymous said...

مرحبا بك استاذنا الكريم
لست أدري الى متى يبقى مدعي الثقافة في عالمنا في برجهم العاجي يناقشون قضايا فصل الدين عن الدولة والليبرالية والحريات بينما يمتنعون عن مناقشة مثل هذه القضايا الحقيقية التي تمس المواطن البسيط.
آخر الصرعات التي خرج بها احد هؤلاء الحمقى انه ذهب يتهم الصحابي حبر الامة ابن عباس بأبشع التهم ، والمصيبة ان من يتهمه اقل ما يمكن ان يوصف به بأنه ابن عاهرة فمن يتجرأ على شتم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كالصيدلي التافه ليس إلا ابن امرأة فاسدة وفسد نسلها فبئس الوالدة وبئس المولود.
مرحبا بك استاذنا الفاضل ومرحبا بمقالاتك التي تمس القضايا الحقيقية.

Anonymous said...

الاستاذ الفاضل\ مصطفى
حمد الله على سلامتك واتمنى من الله دوام الصحة والعافية. مقالك فعلا اكثير من رائع .
نتمنى المزيد من المقالات التى تناقش مشاكنا المعاصرة.
يوسف